سورة الفتح - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


{سيقول المخلفون} يعني: هؤلاء: {إذا انطلقتم إلى مغانم} يعني: غنائم خيبر {ذرونا نتبعكم} إلى خيبر فنشهد معكم. {يريدون أن يبدلوا كلام الله} يغيّروا وعد الله الذي وعد أهل الحديبية، وذلك أنَّ الله تعالى حكم لهم بغنائم خيبر دون غيرهم. {قل لن تتبعونا} إلى خيبر {كذلكم قال الله من قبل} أَيْ: من قبل مرجعنا إليكم، إنَّ غنيمة خيبر لمّنْ شهد الحديبية دون غيرهم {فسيقولون بل تحسدوننا} أن نصيب معكم من الغنائم.
{قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم} إلى قتال قوم {أولي بأس شديد} وهم فارس والرُّوم. وقيل: بنو حنيفة أصحاب اليمامة. {تقاتلونهم أو يسلمون} يعني: أو هم يسلمون أصحاب مسيلمة الكذاب فيترك قتالهم {فإن تطيعوا} مَنْ دعاكم إلى قتالهم {يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل} عام الحديبية، يعني: نافقتم وتركتم الجهاد {يعذِّبكم عذاباً أليماً}. ثم ذكر أهل العُذر في التَّخلُّف عن الجهاد فقال: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج...} الآية. ثمَّ ذكر خبر مَنْ أخلص نيَّته فقال: {لقد رضي الله عن المؤمنين} وكانوا ألفاً وأربعمائة {إذ يبايعونك} بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ولا يفرُّوا {تحت الشجرة} يعني: سمرة كانت هنالك، وهذه البيعة تسمَّى بيعة الرِّضوان {فعلم ما في قلوبهم} من الإِخلاص والوفاء {فأنزل} الله {السكينة عليهم} وهي الطُّمأنينة وثلج الصدر بالنُّصرة من الله تعالى: لرسوله {وأثابهم فتحاً قريباً} أَيْ: فتح خيبر.


{ومغانم كثيرة يأخذونها} يعني: عقار خيبر وأموالها.
{وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها} وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة، {فعجَّل لكم هذه} يعني: خيبر {وكفَّ أيدي الناس عنكم} لما خرجوا وخلفوا عيالهم بالمدينة حفظ الله عليهم عيالهم، وقد همَّت اليهود بهم، فقذف الله في قلوبهم الرُّعب، فانصرفوا {ولتكون} هزيمتهم وسلامتكم {آية للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً} يعني: طريق التَّوكُّل وتفويض الأمر إلى الله سبحانه في كلِّ شيء.
{وأخرى} أَيْ: ومغانم أخرى {لم تقدروا عليها} يعني: فارس والرُّوم {قد أحاط الله بها} علم أنَّه يفتحها لكم.
{ولو قاتلكم الذين كفروا} أَيْ: أهل مكَّة لو قاتلوكم عام الحديبية {لولوا الأدبار} لانهزموا عنك، ولنصرت عليهم.
{سنة الله} كسنَّة الله في النُّصرة لأوليائه.
{وهو الذي كفَّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة} مَنَّ الله سبحانه على المؤمنين بما أوقع من صلح الحديبية، فكفَّهم عن القتال بمكَّة، وذكر حُسن عاقبة ذلك في الآية الثَّانية. وقوله: {من بعد أن أظفركم عليهم} وذلك أنَّ رجالاً من قريش طافوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك العام ليصيبوا منهم، فأُخذوا وأُتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلَّى سبيلهم، وكان ذلك سبب الصُّلح بينهم.


{هم الذين كفروا} يعني: أهل مكَّة {وصدوكم عن المسجد الحرام} منعوكم من زيارة البيت {والهدي} ومنعوا الهدي {معكوفاً} محبوساً {أن يبلغ محله} منحره، وكانت سبعين بدنةً. {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} بمكَّة {لم تعلموهم أن تطؤوهم} أَيْ: لولا أن تطؤوهم في القتال؛ لأنَّكم لم تعلموهم مؤمنين، وهو وقوله: {بغير علم} {فتصيبكم منهم معرَّة} كفَّارةٌ و عارٌ وعيبٌ من الكافرين. يقولون: قتلوا أهل دينهم {ليدخل الله في رحمته} دينه الإِسلام {مَنْ يشاء} من أهل مكَّة قبل أن يدخلوها {لو تزيلوا} تميَّز عنهم هؤلاء المؤمنون {لعذَّبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً} لأنزلنا بهم ما يكون عذاباً لهم أليماً بأيديكم.
{إذْ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حَمِيَّةَ الجاهلية} حين صدُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} أَيْ: الوقار حين صالحوهم، ولم تأخذهم من الحمية ما أخذهم فيلجُّوا ويقاتلوا. {وألزمهم كلمة التقوى} توحيد الله والإيمان به وبرسوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقيل: يعني: بسم الله الرحمن الرحيم، أبى المشركون أن يقبلوا هذا لمَّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب كتاب الصُّلح بينهم، وقالوا: اكتب باسمك اللَّهم، فقال الله تعالى: {وكانوا أحقَّ بها وأهلها} أَيْ: المؤمنون؛ لأنَّ الله اختارهم للإيمان، وكانوا أحقَّ بكلمة التَّقوى من غيرهم.
{لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق...} الآية. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه قبل خروجه عام الحديبية كأنَّه وأصحابه يدخلون مكَّة مُحلِّقين ومُقصِّرين غير خائفين، فلمَّا خرج عام الحديبية كانوا قد وطنوا أنفسهم على دخول مكَّة لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا صدُّوا عن البيت راب بعضهم ذلك، فأخبر الله تعالى أنَّ تلك الرُّؤيا صادقةٌ، وأنَّهم يدخلونها إٍن شاء الله آمنين. وقوله: {فعلم ما لم تعلموا} علم الله تعالى أنًّ الصَّلاح كان في ذاك الصُّلح، ولم تعلموا ذلك. {فجعل من دون ذلك} أَيْ: من دون دخولكم المسجد {فتحاً قريباً} وهو صلح الحديبية، ولم يكن فتحٌ في الإسلام كان أعظم من ذلك؛ لأنَّه دخل في الإسلام في تلك السِّنين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر، وقيل: يعني: فتح خيبر.
{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} ليجعل دين الحقِّ ظاهراً على سائر الأديان عالياً عليها {وكفى بالله شهيداً} أنَّك مرسلٌ بالحقِّ، ثمَّ حقَّق الله تلك الشَّهادة وبيَّنها.

1 | 2 | 3